القطن والحديد

القطن والحديد هما اهم مادتين من المواد الخام في عصرنا.والامة التي تحتل مكان الطليعة في انتاج البضائع القطنية والحديدية تكةن على رأس قائمة الامم الصناعية عموما.وبما ان هذا هو حال انجلترا,وما دام هذا الحال قائما,فستبقى انكلترا الامة الصناعية الاولى في العالم.وعلى هذا,فمن المتوقع ان يكون عمال القطن والحديد في حالة يسر ملحوظة في انجلترا,وان يزدهر انتاج هذه السلع دوما طالما ان انجلترا في مكان القيادة في السوق,وانه,في هذين الفرعين الصناعيين على الاقل,يجب ان يتحقق عصر الوفرة الالفي السعيد الذي وعدوا به زمن التحريض على ممارسة التجارة الحرة.ولكن واسفاه!اننا نعلم جميعا ان الحال بعيد عن هذا وانه في هذا الميدان الصناعي,كما في الصناعات الاخرى,اذا لم يزدد وضع العمال سوءا,وحتى في بعض الحالات اصبح افضل,فان ذلك بفضل جهود العمال انفسهم,بفضل التنظيم القوي والنضال الاضرابي الشديد.ونحن نعلم انه بعد سنوات قليلة من الازدهار,حوالي عام 1874 وبعده,كان هناك انهيار تام في صناعتي القطن والحديد,فأغلقت المصانع وخمدت افران الصهر,وحيث استمر الانتاج كان يوم العمل,كالعادة,قصيرا.وقد عرفت من قبل مثل فترات الانهيار هذه وهي تتكرر بمعدل كل عشرة اعوام وتستمر فترتها وتنتهي بحلول فترة جديدة من الازدهار وهكذا دواليك.ولكن ما يميز فترة الركود الحالية,وخاصة في صناعتي القطن والحديد,هو ان مدة الركود تتجاوز هذه المرة الفترة المعتادة ببضع سنوات.وقد جرت عدة محاولات لاثارة الانتعاش,عدة انطلاقات,ولكنها ذهبت عبثا.فاذا كان عصر الانهيار الحقيقي قد تم تجاوزه,فان الصناعة ما تزال في حالة ركود والاسواق ما تزال غير قادرة على امتصاص الانتاج كله.وسبب ذلك هو انه بموجب نظامنا الراهن لاستخدام الماكنات,لا في انتاج السلع الصناعية فحسب بل وفي انتاج الماكنات نفسها,فان الانتاج يمكن ان يزداد بسرعة لا تصدق.ولن تكون هناك,اذا رغب الصناعيون في ذلك,اثناء فترة واحدة فقط من الازدهار,صعوبة في زيادة انتاج التجهيزات لغزل وحياكة وتبييض وصباغة القطن بحيث يتمكنون من انتاج مزيد من البضائع بنسبة خمسين بالمئة,ومن مضاعفة مجمل انتاج الحديد الصب والمصنوعات الحديدية من كل نوع.ان الزيادة الحقيقية لم تصل الى هذا الحد.ولكنها مع هذا كانت بعيدة عن كل مقارنة بما كانت عليه في فترات التوسع السابقة,والنتيجة هي فيض انتاج مزمن وركود مزمن في الصناعة.ويستطيع السادة ان ينتظروا,على كل حال,لفترة كبيرة من الزمن,اما الشغيلة فعليهم ان يقاسوا لان ذلك يعني بالنسبة لهم بؤسا مزمنا,وصورة لدار تشغيل الفقراء لا تفارق مخيلاتهم.هذه هي اذن نتيجة النظام المجيد للمنافسة غير المحدودة,وهذا هو تحقيق العصر الالفي السعيد الذي وعد به الكوبدنيون والبرايتيون وشركاهم!وهذا ما لا بد ان يمر به العمال,اذا تركوا,كما جرى في الخمسة والعشرين عاما الماضية,ادارة السياسة الاقتصادية في الامبراطورية"لزعمائهم الطبيعيين","لقادة الصناعة"المدعوين,حسب رأي توماس كارلايل,لقيادة الجيش الصناعي في البلاد.قادة صناعة فعلا!ان جنرالات لويس نابليون عام 1870 كانوا عباقرة بالنسبة اليهم.وكل واحد من قادة الصناعة الكاذبين هؤلاء يناضل ضد كل من الاخرين ويعمل كليا لمصلحته الخاصة ويوسع مصنعه بغض النظر عما يفعله جيرانه ثم يجدون جميعا في النهاية,ولدهشتهم الكبرى,ان النتيجة كانت فيضا في الانتاج.وهم لا يستطيعون الاتحاد لضبط الانتاج بل يستطيعون الاتحاد لغرض واحد فقط هو ((تخفيض اجور عمالهم)).وهكذا,بتوسيع قوة البلد الانتاجية بصورة طائشة وبعيدا عن حدود قدرة الاسواق على امتصاص الانتاج,يسلبون عمالهم سهولة العيش النسبية التي تمنحهم اياها فترة من الازدهار المعتدل والتي يستحقها العمال بعد فترة الانهيار المديدة من اجل رفع مداخيلهم للمستوى الوسطى.أفلم يعد مفهوما ان الصناعيين كطبقة لم يعودوا قادرين على توجيه مصالح البلد الاقتصادية الكبرى,بل وحتى عملية الانتاج نفسها؟وأليس سخفا,مع انه حقيقة واقعة,ان يكون ألد عدو لعمال انجلترا هو الانتاجية المتزايدة ابدا لعملهم انفسهم؟ولكن هناك حقيقة اخرى يجب اخذها بعين الاعتبار.فليس الصناعيون الانجليز وحدهم هم الذين يزيدون قواهم المنتجة.ففي بلدان اخرى يحدث نفس الشئ.ان الاحصاءات لا تسمح لنا بأن نقارن,على انفراد,صناعتي القطن والحديد في مختلف البلدان الطليعية.ولكن اذا اخذنا مجموع صناعات النسيج واستخراج المعادن والتعدين نستطيع وضع جدول نسبي استنادا الى المعلومات التي قدمها رئيس مكتب الاحصاء البروسي الدكتور انجل في كتابه("عصر البخار",برلين,1881).وطبقا لحساباته,ويستخدم,في الفروع الصناعية المشار اليها في البلدان الاتية,من الاَلات البخارية ما مجمل قوته بالاحصنة(قوة حصان واحدة تعادل قوة ترفع 75 كيلوغراما الى ارتفاع متر في ثانية واحدة)ما يلي:
صناعة النسيج صناعتا استخراج المعادن والتعدين(الحصان)
__________________________________________________________
1077000 515800 انجلترا سنة 1871
456436 128125 المانيا سنة 1875
185000 فرنسا حوالي100000 370000 93000 الولايات المتحدة

وهكذا نرى ان مجمل القوة البخارية التي تستخدمها الامم الثلاث المنافسة الرئيسية لانجلترا تعادل ثلاثة اخماس القوة البخارية في انجلترا في صناعات النسيج وتعادلها تقريبا في صناعتي استخراج المعادن والتعدين.وحيث ان صناعات هذه البلدان تتقدم بمعدل اسرع بكثير من معدل تقدمها في انجلترا فليس هناك شك تقريبا في ان مجموع انتاج تلك البلدان سيتخطى في القريب العاجل انتاج هذا البلد.انظروا ايضا الى هذا الجدول الذي يبين القوة البخارية,مقدرة بالاحصنة,التي تستخدم في الانتاج ما عدا القاطرات ومحركات السفن:

القوة بالاحصنة
____________________________
بريطانيا العظمى..........حوالي 2000000
الولايات المتحدة..........حوالي 1987000
المانيا......................حوالي 1321000
فرنسا......................حوالي 492000

ان هذا الجدول يظهر بوضوح اكبر,قلة ما تبقى من احتكار انجلترا للانتاج البخاري وضاَلة النجاح الذي حققته التجارة الحرة لضمان تفوق انجلترا الصناعي.ويجب ان لا يقال ان نجاح الصناعة الاجنبية هذا مصطنع وانه يعود للحماية.فكل التوسع الهائل الذي حققه الانتاج الالماني جرى في ظل اكثر نظم التجارة الحرة ليبيرالية.واذا كانت اميركا,بسبب نظام سخيف لضرائب الانتاج الداخلية اكثر من اي شئ اخر,مجبرة على اللجوء الى حماية ظاهرية اكثر مما هي واقعية,فان الغاء ضرائب الانتاج هذه سيكون كافيا لدخولها في المنافسة في السوق المفتوحة.هذا هو اذن الوضع الذي اوجدته في البلاد خمس وعشرون سنة من السيطرة المطلقة تقريبا لمبادئ مدرسة مانشستر.اننا نعتقد ان هذه النتائج من شأنها ان تدعو الى انزال سادة مانشستر وبرمنغام فورا عن عروشهم لكي يتوفر للطبقة العاملة ان تقوم بدورها في الخمسة والعشرين عاما القادمة.ان الطبقة العاملة لن تستطيع,بالتأكيد,ان تدير الامور اسوأ منهم.
*****************************
ليبور ستاندارد,30 تموز (يوليو) 1881
انجلس
نظام العمل المأجور